فقد طلبتْ إليَّ الأمانة العامَّة لمجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي الذي أتشرَّف بعضويته: أن أُسهم بالكتابة في موضوعات المؤتمر الفقهي الإسلامي العالمي الذي يعقده المجمع، حول «الفتوى» وما يتعلَّق بها من محاور وبحوث. وأن أكتب في «الفتوى الشاذَّة» وما يتّصل بها، فاستخرتُ الله تعالى، وكتبتُ هذه الصحائف على عَجَل، برغم ما أعانيه من كثرة مشاغلي، وتعدُّد أعبائي، وتنوُّع همومي، ولا سيما في هذه المرحلة التي تمرُّ فيها أمتنا بأزمات خطيرةٍ، ومحنٍ قاسيةٍ، ومآسٍ محزنةٍ، في الداخل والخارج، وانفصل قادتها وزعماؤها ـ إلا من رحم ربك ـ عن حكمائها وعلمائها، أو بتعبير الحديث الشريف: «انفصل القرآن عن السلطان»(1).
ولكن يبقى الخير في شعوب هذه الأمة، التي لا تزال بخير في مجموعها، ولا زال الإسلام هو الموجِّه الأول لتفكيرها، والمحرِّك الأول لمشاعرها، والمؤثِّر الأول في سلوكها.
ولهذا لا تزال تسأل علماءها عما يحلُّ لها وما يحرم عليها في المعاملات، وما يشرع لها، وما لا يشرع في العبادات، ولهذا أمسى للفتوى سوق رائجة، وخصوصًا في الفضائيات المنتشرة، ودخل مَن يحسن ومَن لا يحسن، ورأينا مفتين يوهمون أنهم علماء بكل شيء، ولا يتورَّعون من شيء، ويجيبون عن أعوص المسائل، ممَّا لو عُرِضَ على عمر لجمع لها أهل بدر.
ومن هنا كثرت الفتاوى الشاذَّة، التي تصدر من غير أهلها، وفي غير محلِّها، والتي كثيرًا ما ترى المتصدِّرين لها، لا يملكون أيَّ شرط من شروط الفتوى.
وقد بيَّنَّا في هذه الصحائف معنى شذوذ الفتوى، ومتى تعتبر الفتوى شاذَّة، ومتى لا تعتبر، كما ذكرنا ما لا يعتبر من الشذوذ، وإن اعتبره بعض الناس شاذًّا، وضربنا أمثلة لفتاوى اعتبرت في عصر ما شاذَّة، ثم قبلت بعد ذلك، كما بينا أسباب شذوذ الفتوى. ثم كيف نعالجها، وكيف نتوقاها.