وأسَّس الأزهر والجامعات الإسلامية المختلفة للدراسات الإسلامية كليتين: إحداهما: كلية أصول الدين، وهي المعنيَّة بجانب العقائد.
والأخرى: كلية الشريعة، وهي المعنيَّة بجانب الفروع العملية.
ولهذا كان تحديد مفهوم الشَّريعة في هذا المقام مُهِمًّا، حتى إذا قلنا: «مقاصد الشريعة» فهل نريد بها: مقاصد الجانب العملي الذي هو مجال الفقه، أو نريد بها: مقاصد الإسلام كله من العقائد والأعمال؟
الذي أرجِّحه: أنّنا نَعني: مقاصد الإسلام كله، وأحسب أن الأصوليِّين الذين حصروا مقاصد الشَّريعة في الكليات الخمس(1): أرادوا أن تشمل العقائد فيما تشمل؛ ولهذا جعلوا الدين هو الضرورية ـ أو الكلية ـ الأولى. والعقائد هي رأس الدين وأساس بنيانه كله.
ثانيًا: معنى مقاصد الشريعة، وهل للشريعة مقاصد فعلًا؟
وأما معنى «مقاصد الشريعة» فيراد بها: الغايات التي تهدف إليها النصوص من الأوامر والنواهي والإباحات، وتسعى الأحكام الجزئية إلى تحقيقها في حياة المكلَّفين، أفرادًا وأسرًا وجماعات وأمة.
ويمكن أن نطلق على هذه «المقاصد»: اسم الحِكَم التي تُطَلب من وراء تشْريع الأحكام، سواء كانت مقتضية أم مخيِّرة، إذ وراء كل حكم شرعه الله لعباده حكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها؛ لأن الله تعالى يتنزّه أن يَشْرع شيئًا اعتباطًا أو عبثًا، أو يَشرعه مضادًّا للحكمة.
وليس المراد بالمقاصد: العلل التي ذكرها الأصوليون في مبحث القياس، وعرفوها بأنها: الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحُكْم.