والفقه في الدين أخصُّ من العلم بالدين، العلم بالدين قد يكفي فيه العلم بظاهره، أما الفقه في الدين، فلا يتحقق إلا بالعلم بباطنه وسره. وأول ما يشمل هذا: العلم بالمقاصد التي جاء بها الدين؛ ولهذا عُدَّ العلم بمقاصد الشَّريعة وأسرارها هو لُباب الفقه في الدين. ومن وقف عند ظواهر النصوص، ولم يَغُص في حقائقها وأعماقها، ويتعرَّف على أهدافها وأسرارها، فلا أحسبه قد فقه في الدين، وعرف حقيقة الدين.
وليس معنى الاهتمام بأسرار الدين، ومقاصد الشَّريعة: أن نُعرض عن النصوص الجزئية المفصَّلة التي جاء بها القرآن الكريم والسُّنة النبوية، ونقول: حسْبنا أن نقف عند المقاصد الكلية، ولا نتشبَّث بالنصوص الجزئية، فهذا انحراف مرفوض، واستهانة بنصوص مقدَّسة، لا تصدر عن مؤمن، ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلًا مُّبِينًا ﴾ .
وحول هذا الموضوع الكبير (العلاقة بين النصوص والمقاصد) ستكون دراستنا هذه، نبيِّن ما فيها من اتجاهات ثلاثة: طرفين ووسط بينهما. وما لكل منها وما عليه.
والله يهدي للحق، وهو يهدي السبيل.
الدوحة: محرم 1426هـ
فبراير 2005م
الفقير إليه تعالى
يوسف القرضاوي
٭ ٭ ٭