وهكذا فعل ﷺ : علَّم وبيَّن، وبلَّغ وأرشد، وطبَّق ونفَّذ، وكان لنا فيه الأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا، فما ترك أمرًا يقربنا من الله تعالى إلا أمرنا به، ولا أمرًا يُبعدنا عن الله تعالى إلا نهانا عنه، نطقت بذلك سُنَّته، ودلَّت على ذلك سيرته، ومضى على ذلك خلفاؤه الراشدون وأصحابه المهتدون، وبذلك قامت الحُجَّة، واتَّضحت المحَجَّة، وعصم الله الأُمَّة من الضلالة، وحماها من الجهالة.
وبهذا تحدَّدت مصادر المعرفة بأحكام الإسلام، وبعبارة أخرى: تحدَّدت «المرجعية العليا» للإسلام.
فليست هي لمَجْمع من المجامع الدينية أو العلمية، كما عُرِف ذلك عند النصارى ومجامعهم المسكونية المقدَّسة.
وليست هذه المرجعية لرئيس ديني، مهما علا كعبه في العِلم والتقوى، فليس لدى المسلمين «بابا» يوصف بالقداسة والعصمة، كما عند غيرهم.
وليست هذه المرجعية لمدرسة أو مذهب، أو طريقة، قلَّدها مقلِّدون في مجال الاعتقاد والفكر، أو في مجال الفقه والتشريع، أو في مجال التربية والسلوك.
فما وُجِدَ من ذلك في تاريخ الإسلام وتراثه إنَّما هو اجتهادات بَشر غير معصومين، في فهم الإسلام والعمل به، يُؤخذ منهم، ويُرَد عليهم، مَنْ أصاب منهم فله أجران، ومَنْ أخطأ فله أجر، ما دام هذا الاجتهاد صادرًا من أهله في محلِّه، مصحوبًا بالنيَّة الصالحة.
تحدَّدَتْ «المرجعية العُليا» في الإسلام للمصدرين الإلهيين المعصومين: القرآن والسُّنَّة، اللذين أُمِرنا باتباعهما، وأن نرُدَّ إليهما ما تنازعنا فيه.
وإن شئتَ قلت: هو مصدر واحد، أو مرجع واحد، هو «الوحي الإلهي»، سواء أكان وحيًا جليًّا متلوًّا، وهو القرآن، أم وحيًا غير جلي، ولا متلوٍّ، وهو السُّنَّة.