وزاد الأمر خبالًا أنهم: ﴿ ٱتَّخَذُوٓا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ يُحِلُون لهم ما شاؤوا مما حرَّم الله، ويُحرِّمون عليهم ما أرادوا مما أحلَّ الله، فيطيعونهم طاعة العابد لمعبوده، لا يُسألون ولا يُناقَشون، فقد جعلوا لهم سُلطانًا مع سلطان الله 8 ، فتعالى الله عما يشركون.
بل جعلوا لمجامعهم المقدَّسة، أو لرئيسهم الديني الأعلى (البابا) سُلطة تغيير العقائد، بالإضافة إليها أو الحذف منها.
وإنَّنا لنحمد الله تعالى ـ نحن المسلمين ـ أن أنزل علينا كتابًا تولى حفظه بنفسه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ ﴾ ، ﴿ لَّا يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِۦ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ .
هو كما وصفه منزله جَلَّ ثناؤه: ﴿ يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌ 15 يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِۦ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ 16 ﴾ .
أنزله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَـٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ .
فوضع به أُسس العقيدة، وقواعد الشريعة، وكليَّات الدين ومبادئه الأساسية في الاعتقاد والفكر والتشريع والسلوك.
ختم الله به الكتب، كما ختم بمحمد الذي أُنزل عليه الرسلَ، وكلَّفه صلوات الله عليه أنْ يُبيِّنه للناس، فكانت سُنَّته ﷺ البيان النظري، والتطبيق العملي لكتاب الله، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ .
وهكذا فعل ﷺ : علَّم وبيَّن، وبلَّغ وأرشد، وطبَّق ونفَّذ، وكان لنا فيه الأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا، فما ترك أمرًا يقربنا من الله تعالى إلا أمرنا به، ولا أمرًا يُبعدنا عن الله تعالى إلا نهانا عنه، نطقت بذلك سُنَّته، ودلَّت على ذلك سيرته، ومضى على ذلك خلفاؤه الراشدون وأصحابه المهتدون، وبذلك قامت الحُجَّة، واتَّضحت المحَجَّة، وعصم الله الأُمَّة من الضلالة، وحماها من الجهالة.