كل هذا قوَّى المعاني الرَّبَّانيَّة في نفسي، وزادها عمقًا في كياني، ولم تكنْ عائقًا عن عملي في «الدعوة» الذي شغل جهدي ووقتي، بل كان دافعًا ومعينًا.
ولقد اتَّسعت دراستي للتصوُّف في تلك الفترة، كما اتصلتُ اتصالًا أعمق، بـ «المدرسة السَّلَفية» وإماميها المجدِّدَيْن: ابن تيمية وابن القيِّم، وقد أعجبت بالنظرة الشمولية التجديدية المتوازنة في هذه المدرسة، ومقاومتها لما دخل على الإسلام من تحريفات وانحرافات في الفكر أو في السلوك. ووجدت في إنتاج هذه المدرسة ما قوَّى عندي التوجُّه الرَّبَّاني بضوابطه الشرعية.
وهكذا كان التصوُّف عندي فكرًا وروحًا وخُلُقًا، لا عهدًا على شيخ، ولا التزامًا بطريقة من الطرق الصوفية المعروفة، فقد أغنتني دعوة الإخوان عن أيِّ طريقة، وأغناني إمامها وأصحابه عن البحث عن شيخ رسمي من مشايخ الطريق.
كما صرفني عن الطرق ما دخل عليها من خلل واضطراب في الفكر، وفي السلوك، وكذلك فَقْدُ أهل الصدق والإخلاص في صفوف قوَّادها، إلا من رحم ربُّك، وغلبة الاتِّجار بالاسم والزيِّ واللقب على الكثيرين.
ولا غرو أنْ يلمس المراقب المنصف في جنبات كثيرٍ من التصوُّف المعاصر: الشركيات في العقيدة، والبدع في العبادة، والسلبيَّة في الأخلاق، والشكليَّة في الذكر، والتسيُّب في الفكر.
ومع هذا لم أتخذ موقفًا عدائيًّا من التصوُّف كلِّه، بل ظللتُ أنتفع به، وأقتبس منه، في محاضراتي وخطبي، وفي مؤلفاتي وكتبي.