فأحمد الله أنْ هداني إلى الموقف الوَسَط، الذي لا يطغى في الميزان ولا يُخسر الميزان، كما علَّمنا الله تعالى في كتابه: ﴿ وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ 7 أَلَّا تَطْغَوْا فِى ٱلْمِيزَانِ 8 وَأَقِيمُوا ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا ٱلْمِيزَانَ 9 ﴾ ، فالعدل بين الطغيان والإخسار، بين الإفراط والتفريط، فقد ذكرت ما للتصوُّف وما عليه، ولا ينكر أحد أثر التصوُّف والمتصوِّفة في الحياة الإسلامية، فكم أسلم على أيديهم من كافر، وكم تاب على أيديهم من عاصٍ، وكم رقَّقوا من القلوب، وزكُّوا من النفوس، وهذَّبوا من الأخلاق، فلْنذكرْ هذا لهم، بجوار ما نذكر من سقطات وشطحات، والمتقدِّمون فيهم ـ بصفة عامة ـ أفضل من المتأخرين.
فتوى ابن تيمية عن التصوُّف والصوفية:
ولقد وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية ـ مع صرامته في الالتزام بمنهج السَّلَف، وشدته في مقاومة البدع ـ يقف من التصوُّف والصوفية هذا الموقف الوسط العدل، وهذا من إنصافه وسَعة علمه، ورحابة أُفقه 3 .
وقد نقلت عنه في فتواي الثانية عن التصوُّف قوله بعد أنْ سئل عن الصوفية، فكان جوابه الذي ذكره في رسالته عن «الفقراء» ـ وهو أعدل ما قيل في القوم ـ قال 5 : «تنازع النَّاس في طريقهم: فطائفة ذمَّت «الصوفية والتصوُّف»، وقالوا: إنِّهم مبتدعون خارجون عن السُّنَّة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام.
وطائفة غلت فيهم، وادَّعوا أنَّهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء. وكلا طرفي هذه الأمور ذميم.
والصواب: أنَّهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله. ففيهم «السابق» المقرَّب بحسب اجتهاده، وفيهم «المقتصد» الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم مَن يُذنب فيتوب أو لا يتوب.