فالغرض الباعث هو: المحرِّك للإرادة الإنسانية لتندفع للعمل، والأغراض الباعثة كثيرة ومتنوِّعة: منها الماديُّ والمعنويُّ، ومنها الفرديُّ والاجتماعيُّ، ومنها الدنيويُّ والأخرويُّ، ومنها التافه الحقير، والعظيم الخطير، منها ما يتعلَّق بشهوة البطن والجنس، ومنها ما يتَّصل بلذَّة العقل والرُّوح، منها ما هو محظور، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مُستحَبٌّ، ومنها ما هو واجب.
وإنَّما يحدِّد هذه البواعث: عقائد الإنسان وقيمه التي يؤمن بها، ومعارفه وأفكاره ومفاهيمه التي كوَّنها بالدراسة أو بالتجربة، أو بتأثير البيئة، وبالتقليد للآخرين.
والمؤمنُ الحقُّ هو الذي غلب باعثُ الدين في قلبه باعثَ الهوى، وانتصرت حوافزُ الآخرة على حوافز الدنيا، وآثر ما عند الله تعالى على ما عند النَّاس، فجعل نِيَّتَه وقولَه وعملَه لله، وجعل صلاتَه ونُسُكَه ومَحياه ومماته لله ربِّ العالَمين، وهذا هو الإخلاص.
الإخلاص من ثمرات التوحيد الخالص:
والإخلاص بهذا المعنى: ثمرة من ثمراتُ «التوحيد» الكامل لله تعالى، الذي هو إفراد الله تعالى بالعبادة والاستعانة، والذي يعبِّر عنه قولُه سبحانه في فاتحة الكتاب وأمِّ القرآن: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ ، والذي يناجي به المسلم ربَّه في صلواته كلَّ يومٍ ما لا يقلُّ عن سبعَ عشْرةَ مرَّة.
وبهذا الإخلاص: يكون الإنسان المؤمن عَبْدَ الله حقًّا، لا عبدَ هواه ولا أهواءِ غيره، لا عبدَ دنياه ولا دنيا سواه.
بهذا الإخلاص المتجرِّد: يتخلص من كلِّ رقٍّ، ويتحرَّر من كلِّ عبودية لغير الله: عبوديَّة الدينار والدرهم، والمرأة والكأس، والزِّينة والمظهر، والجاه والمنصب، وسلطانِ الغريزة والعادة، وكلِّ ألوان العبودية للدنيا التي استسلم لها النَّاس. ويكون كما أمر الله رسولَه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ 162 لَا شَرِيكَ لَهُۥ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ 163 ﴾ .