ورضي الله عن أصحابه، الذين أخلصوا دينهم لله، وأخلصهم الله لدينه، فهاجروا لله، وآووا ونصروا لله، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وكان الله ورسوله، والجهاد في سبيله أحبَّ إليهم من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم وأموال اقترفوها، وتجارة يخشون كسادها، ومساكن وأوطان يرضونها، ورضي الله عمَّن سار على دربهم إلى يوم الدين.
( أما بعد)
فهذه الصحائف التي أقدمها لك ـ أخي المسلم ـ تتحدَّث عن شُعْبة أساسية من أرفع شُعَب الإيمان، وعن مقام من أعظم مقامات الدَّين، وخُلُق من أجَلِّ أخلاق الربانيين، هو «الإخـلاص» الذي لا يقبل الله عملًا إلَّا به، فبغيره لا يكون العمل مَرْضِيًّا عند الله تعالى، كما قال سليمان 0 : ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحًا تَرْضَىٰهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ ﴾ .
وإنَّما يرضى الله العمل الصالح في ذاته إذا تحقَّق فيه الإخلاص، وانتفى منه الشِّرك أكبره وأصغره، جليه وخفيه: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَـٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا ﴾ .
ولا يتم الإخلاص إلَّا بتوافر النِّيَّة الصادقة، وتجريدها لله، وتخليصها من الشَّوائب والرغبات الذاتية والدنيوية، ومعنى هذا: أن يَفْنى الإنسان عن حظوظ نفسه، ويتعلَّق بربِّه، فيمنحه القوة من الضعف، والأمن من الخوف، والغنى من الفقر.