ولكن الدكتور زكي نجيب محمود علق على ذلك بقوله: «لولا خشيتي سوء التأويل لعارضت شاعرنا، لأقول له: وإنما الأمم في يومنا التقنيات ما اطردت وتغلغلت، فإن هم انعدمت علومهم وصناعهم وتقنياتهم، تخلفوا إلى حيث لا أمل ولا رجاء، اللهم إلا إذا فهمنا الأخلاق بمعنى يجعل منها أن أعرف كيف يُضغط على الأزرار ومتى»(1). وآخرون قالوا: إنما الأمم الأفكار والثقافة.
وغيرهم قالوا: إنما الأمم الحرية لوطنها، والحقوق لشعبها.
والأولى من ذلك أن ندع وحدانية التعليل والتفسير، إلى الشمول والتعدد.
إن «التفسير الواحدي» للتاريخ وللواقع لم يعد مقبولًا، لأنه يبصر الحقيقة من زاوية واحدة، ويغفل زواياها الأخرى، وهو يبسِّط الأمور المعقدة والمتشابكة.
إن نهضة الأمم تؤثر فيها الثقافة، كما تؤثر فيها السياسة والاقتصاد والتشريع والتربية وغيرها.
ومهما يكن الاختلاف في تحديد جوهر الأزمة، فأحسب أنه لا يخالف أحد في أهمية دور الثقافة فيها، وخصوصًا الجانب الفكري والأدبي والفني منها. وذلك لما لها من تأثير في الأخلاق والسلوك، ومن تأثير في السياسة والحكم، وتأثير في توجهات الشعوب إلى التقدم أو التخلف، إلى العلم والعمل، أو إلى الكلام والجدل.
فلو صحت ثقافة أمة واستقامت، وتكلمت وتوازنت وسلمت من عوامل التشويه والتحريف ـ كما هو الأصل في ثقافتنا ـ لكان لها أثرها البالغ في صحة توجه الأمة واستقامتها وتكاملها وتوازنها. وإذا حدث العكس كانت النتيجة عكسية، لأن الثمرة من جنس الشجرة، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذْنِ رَبِّهِۦ ۖ وَٱلَّذِى خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ .