والإسلام هو الذي وحَّد العرب من فرقة، وجمعهم من شتات القبلية وأكرمهم بنعمة الأخوة بعد نقمة العداوة، وألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمة الله إخوانًا، وجعل منهم «أمة» واحدة، تواجه أعتى أمم الأرض، بما لديها من دين تغالي به، وحق تعتزُّ بنصرته، قال تعالى: ﴿ وَٱذْكُرُوا نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ﴾ .
وما أبلغ ما قاله الإمام قتادة بن دعامة السدوسي في بيان ما كان عليه العرب قبل الإسلام، وما صاروا إليه بعد: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًّا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين(1)، على رأس حجر بين الأسدين: فارس والروم. لا والله ما في بلادهم يومئذٍ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات ردِّى إلى النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا يومئذٍ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظًّا، وأرقَّ فيها شأنًا منهم، حتى جاء الله 8 بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحلَّ لكم به دار الجهاد، ووسع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك(2).
ولا غرو أن قال عمر بن الخطاب بحق لأبي عبيدة بن الجراح في رحلته إلى الشام، حيث عرضت له مخاضة في الطريق، فنزل عمر عن بعيره، ونزع خفيه، ثم أخذ بخطام راحلته، وخاض المخاضة، فقال له أبو عبيدة: لقد فعلت ـ يا أمير المؤمنين ـ فعلًا عظيمًا عند أهل الأرض ! فصكَّه في صدره، وقال: لو غيرك يقولها، يا أبا عبيدة؟! أنتم كنتم أقل الناس، وأذلّ الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله(3).