وكان من تمام نعمة الله على الإنسان: أنَّه أمدَّه بكلِّ ما يُعينه على أداء مهمَّة العبادة لله والاستخلاف في الأرض، وبلوغ كماله المقدَّر له، فمنحه العقل الذي به يفكِّر، والإرادة التي بها يرجِّح، والقدرة التي بها ينفِّذ، وآتاه من المواهب والمَلَكات النفسية والرُّوحية ما لم يؤتِ مخلوقًا آخر، وأنزل عليه الكتب، وبعث له الرسل، مبشِّرين ومنذرين، لئلا يكون للنَّاس على الله حُجَّة بعد الرسل.
كما كان من تمام الابتلاء للإنسان: أن سلَّط عليه نفسه التي بين جنبيه، وهي أمَّارة بالسوء، تحبُّ العاجلة، وتَذَرُ الآخرة، وسلَّط عليه عدوَّه إبليس اللعين «الشيطان» وجنوده، وقد حلف أمام الله جلَّ وعلا: ﴿ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ 16 ثُمَّ لَـَٔاتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ 17 ﴾ .
ومن يومها والمعركة دائرة بين الشيطان والإنسان، وقد حذَّر الله منه أشدَّ التحذير: ﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُۥ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ ﴾ .
وقام الأنبياء وورثتهم من العلماء بمهمَّتهم في تنبيه الخلق من غفلتهم، وإمدادهم بالأسلحة التي تُعينهم في معركتهم، حتَّى لا يستحوذ عليهم الشيطان فينسيهم ذكر الله، وينضمُّوا إلى حزب الشيطان، المجافي والمعادي لحزب الرحمن وركْب الإيمان. وبيَّنوا ما عهد الله إليهم من عبادته 8 ، ومعاداة عدوِّه: ﴿ ۞ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا ٱلشَّيْطَـٰنَ ۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 60 وَأَنِ ٱعْبُدُونِى ۚ هَـٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ 61 ﴾ .
فالله تعالى يريد من عباده أن يعبدوه وحده، ولا يشركوا بعبادته أحدًا ولا شيئًا، وذلك باتِّباع منهجه الرباني الذي شرعه على ألسنة رسله، وخاتمهم محمد ﷺ ، والشيطان يريدهم أن يتَّبعوا منهجه، ويَدَعوا منهج الله، فيَدَعوا الهدى إلى الضلال، والنور إلى الظلام.