فالله تعالى يريد من عباده أن يعبدوه وحده، ولا يشركوا بعبادته أحدًا ولا شيئًا، وذلك باتِّباع منهجه الرباني الذي شرعه على ألسنة رسله، وخاتمهم محمد ﷺ ، والشيطان يريدهم أن يتَّبعوا منهجه، ويَدَعوا منهج الله، فيَدَعوا الهدى إلى الضلال، والنور إلى الظلام.
ومن هنا قام الربانيون في كلِّ جيل، متأسِّين برسول الله، مقتبسين من مشكاة نبوَّته، ليردُّوا النَّاس إلى الله، ويسوقوهم إلى الجنة، مرغِّبين ومرهِّبين، وألَّا تغرُّهم الحياة الدُّنيا، ولا يغرُّهم بالله الغرور، وأن يسيروا في طريق عبادة الله، مخلصين له الدّين حنفاء، وعبادة الله هنا تشمل العبادة الظاهرة والعبادة الباطنة.
وإذا كان «علم الفقه» يُعنى «بالعبادات الظاهرة» من الصلاة والزكاة، والذكر والتسبيح والدعاء، فإن «علم السلوك» أو «فقه السلوك» يُعنى «بالعبادات الباطنة» من النية والإخلاص، والتوكُّل والتوبة إلى الله، والرجاء والخوف، والشكر والصبر، والورع والزهد، والمراقبة والمحاسبة، وغيرها من منازل السائرين، ومدارج السالكين إلى مقامات «إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين»، حسب تعبير الإمام الهَرَوي.
ونحن نعلم أنَّ القرآن قد جعل النجاة في الآخرة منوطة بسلامة القلب: ﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ 88 إِلَّا مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 89 ﴾ ، والقلب السليم، هو السليم من الشِّرك والنفاق، والكبر والحقد والرياء، وآثار البدع والمعاصي.
كما أنَّ الجنَّة لا يدخلها إلَّا مَن كان ذا قلب منيب: ﴿ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ 32 مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ 33 ٱدْخُلُوهَا بِسَلَـٰمٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلْخُلُودِ 34 ﴾ ، وفي الحديث المتَّفق عليه: «ألا إنَّ في الجسدِ مُضْغة، إذا صَلَحت صَلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه»(1).