وهذا الكتاب سنخصصه لمنزلتين أو مقامين من أهم ما يُعنى به حزب الله ورجاله الصادقون، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقد أبرزنا في كتبنا السابقة حياة فئة من بارزيهم ومن أفكارهم، حتى لا يظن بعض أننا نريد بالحديث عن التصوف ومعارفه وسلوكياته ورجاله: أننا ندعو إلى فكر جامد، وتصور خامد، وحياة كئيبة، وحضارة غائبة، ودنيا هاربة، وأمة قاصرة، غابت عن دنيا الناس، ومعترك العالم، ودعوات أصحاب المفاهيم الكبرى التي تريد أن تغزو العالم بما لديها من أطروحات عالمية، اشتراكية أو شيوعية أو رأسمالية، وإلى ما لديها من فلسفات مثالية أو واقعية، نتدافع ونتغالب، كفلسفة الداعين إلى ترك الدين والفكرة الدينية، فنحن الآن في عصر الماديين أو الطبيعيين، من أتباع داروين، أو من يدّعون على داروين أنه ملحد.
وهناك من دعوا إلى فكرة الفيلسوف النفسي فرويد، أو فكرة الفيلسوف الاجتماعي دوركايم، أو فكرة الفيلسوف المادي أو الاقتصادي ماركس، أو فكرة الفيلسوف الأب للرأسمالية آدم سميث، أو الفيلسوف الداعي إلى التطور سبنسر، أو الفيلسوف الداعي إلى الوجودية سارتر، وكلهم ينظرون إلى الحياة والعالم والإنسان من زاوية واحدة، هي الزاوية المادية الضيقة، التي تجعلهم يغمضون أعينهم عن العالم الكبير والفسيح من حولهم، وعن أيمانهم وشمائلهم، ومن فوقهم، وهم لا يرون إلَّا شيئًا قليلًا منه، وصدق القرآن إذ يقول: ﴿ فَلَآ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ 38 وَمَا لَا تُبْصِرُونَ 39 إِنَّهُۥ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ 40 وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ 41 وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ 42 تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ 43 ﴾ .
نحن ندعو إلى التصوف الحقيقي، الذي يحاول أن يخرج الإنسان من ظلمات الكثافة المادية الطاغية التي تخنق الإنسان في ساحاته الحضارية، وتنقذه من مآسي المادة، ومن ضيق الدنيا، ومن آصار شياطينها الذين يريدون تزيينها للناس بما في أيديهم من غوايات وأساطير.