نحن ندعو إلى التصوف الحقيقي، الذي يحاول أن يخرج الإنسان من ظلمات الكثافة المادية الطاغية التي تخنق الإنسان في ساحاته الحضارية، وتنقذه من مآسي المادة، ومن ضيق الدنيا، ومن آصار شياطينها الذين يريدون تزيينها للناس بما في أيديهم من غوايات وأساطير.
إنني في هذه السلسلة من الكتب الدينية الإسلامية، أدعو قومي، وشباب قومي، وأدعو أبناء العالم معهم، إلى العودة إلى الله، إلى رحاب الله، إلى الربانية الهادية التي تنادي الناس من كل اتجاه دعوة خالصة، لا ينقذ العالم من شرور الصراع الدائر والدائم إلَّا الاستجابة لها: ارجعوا إلى ربكم ﴿ وَتُوبُوٓا إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ .
في هذا الكتاب نتحدث عن منزلتين أو مقامين أو عنصرين من العناصر الأساسية في سلوك الإنسان المؤمن الذي يبتغي مرضاة الله، وقد نوَّه بهما القرآن، ونوَّهتْ بهما السُّنَّة، ونوَّه بهما الصحابة ومن اتبعهم بإحسان من خيرة أبناء الأمة المحمدية وعلمائها وأبطالها ورجالها ونسائها، ممَّن أثنى الله عليهم في كتابه، وأثنى عليهم رسوله في حديثه، وأثنى عليهم صفوة الأمة في مختلف أجيالها.
هذان العنصران هما: الشكر والصبر، أو الصبر والشكر، وقد توقفنا بعض الوقت لنبحث أيهما أحق بالسبق، وتشاورت مع إخواني فاختلفوا، ثم نظرت فيما فعل القوم، فوجدت أكثرهم جعل الصبر مقدَّمًا على الشكر، وإن وجدنا حديث صهيب 3 الذي رواه الإمام مسلم في «صحيحه» يقدم الشكر على الصبر، كما رواه مسلم مرفوعًا: «عجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ, إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن, إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ, فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ, صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ»(1).