وصدق الشاعر المتنبي (ت: 354هـ) حيثُ قال(1):
وللنفسِ أخلاقٌ تدلُّ على الفَتَى
أكانَ سخاءً ما أتى أم تَسَاخِيَا
وهذا يعني أنَّ الخُلُق صفة ثابتة مستقرَّة في النفس، وهـذه الصفة ذات آثار في السلوك؛ سواء أكانت محمودة أم مذمومة، ويعني أنَّ صفات النفس الطارئة لا تكون خُلُقًا إلا مع الدوام والاستمرار؛ فلا تعدُّ الشجاعة العارضة ممَّن اتصف بالجُبْن خُـلُقًا له، ولا يعدُّ الكرم العارض من الشحيح البخيل خُلُقًا له؛ إذ لا بد من رسوخ الصفة في النفس حتَّى تُسمَّى خُلُقًا.
تعريف شيخنا العلامة دراز للخلق:
وعلَّق على ذلك شيخنا العلامة د. محمد عبد الله دراز فقال: «الخُلُق ـ إذن ـ هيئة أو صفة للنَّفْس... غير أنَّ للنَّفْس قُوًى مختلفة، ووظائف متنوِّعة. فهناك مَلكات الإدراك، والتفكير، والحُكْم، والتَّخيُّل، والتَّذكُّر؛ فإذا كانت هذ القوى النفسيَّة كلُّها تصدر عنها آثارها في سهولة ويسر، هل يسوغ لنا أن نسمِّي شيئًا منها خُلُقًا؟ كلَّا!
نحن بحاجة ـ إذن ـ إلى مزيد إيضاحٍ وتحديد، تتميَّز به حقيقة المقصود من هذه التسمية. وينجلي به الإبهام الَّذي تنطوي عليه التعريفات السابقة.
ونبادر فنقول: إنَّ الخُلُق ليس صفة للنَّفْس في جملتها، ولكن في جانب معيَّن من جوانبها. وليس هذا الجانب هو جانب العقل والمعرفة، ولا جانب الشعور والعاطفة؛ وإنَّما هو جانب القصد والإرادة.