نهجي في الإفتاء:
وكان المنهج الَّذي اتبعته في هذه الفتاوى يقوم على عدَّة قواعد، أهمها:
أولًا: لا عصبيَّة ولا تقليد:
التحرُّر من العصبيَّة المذهبيَّة، والتقليد الأعمى لزيدٍ أو لعمرو، من المتقدِّمين أو المتأخِّرين. فقد قيل: لا يقلِّد إلَّا عصبيٌّ أو غبيٌّ(1). وأنا لا أرضى لنفسي واحدًا من الوصفين.
هذا مع التوقير الكامل لأئمَّتنا وفقهائنا، فعدم تقليدهم ليس حطًّا من شأنهم، بل سيرًا على نهجهم، وتنفيذًا لوصاياهم بألَّا نقلِّدهم ولا نقلِّد غيرهم، ونأخذ من حيث أخذوا.
وهذا الموقف لا يتطلَّب من العالم المسلم المستقلِّ في فهمه: أن يكون قد بلغ درجة الاجتهاد المطلق كالأئمَّة الأولين، وإن كان هذا غير ممنوع شرعًا ولا قدرًا.
ولكن حسْب العالم المستقلِّ في هذا الموقف أمور:
1 ـ ألَّا يلتزم رأيًا في قضية بدون دليلٍ قويٍّ، سالم من معارض معتبر، ولا يكون كبعض النَّاس الَّذين ينصرون رأيًا معينًا لأنَّه قول فلان، أو مذهب فلان، دون نظرٍ إلى دليلٍ أو برهان، مع أنَّ الله تعالى يقول: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَـٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴾ ، ولا يسمَّى العلم علمًا إذا كان ناشئًا من غير دليل. ولقد قال الإمام عليٌّ 3 : «لا تعرف الحقَّ بالرجال، بل اعرف الحقَّ تعرف أهله»(2).