(وبعد)
قد كان ممَّا كتبه الله لي أن أشتغل بإفتاء النَّاس منذ عهد مبكر، فقد كنتُ أَؤُمُّ النَّاسَ وأخطبُهم وأدرِّسُهم، وأنا طالب في القسم الابتدائي (الإعدادي الآن) من الأزهر الشريف، ومن خطب النَّاس أو درَّسهم، فلا بدَّ أن يسألوه، ولا مفرَّ له أن يجيب. وهذا ما دعاني إلى الاهتمام بفقه الشَّريعة، ومشكلات النَّاس من أمدٍ بعيد.
ومع أنِّي تخرَّجت في كلية أصول الدين بالأزهر، الَّتي تُعنى بالعقيدة والفلسفة والتفسير والحديث، لا في كلية الشَّريعة الَّتي تُعنى بالفقه وأصوله، فإنَّ ذلك لم يقطعني عن دوام الاطِّلاع على الفقه وتاريخه، وأصوله وقواعده، وقد زادتني دراستي في كلية أصول الدين ولم تنقصني، وأمدَّتني بزادٍ نافع من الثقافة الفلسفية والتاريخية، بجانب الثقافة الإسلامية المتنوِّعة.
وكان من نعمة الله عليَّ أن تحرَّرتُ منذ وقت مبكِّر أيضًا، من رِبْقة التمذهب والتقليد والتعصُّب لقول عالمٍ بعينه، وإن كانت دراستي الرسمية للفقه على مذهب أبي حنيفة 3 .
ويرجع الفضل في ذلك لعدِّة عوامل، منها: بيئة الحركة الإسلامية الَّتي كنتُ أعيش في رحابها، ودعوة مُؤَسِّسها الشهيد حسن البنا 5 في رسالته المركَّزة المسماة «رسالة التعاليم» إلى التحرُّر من العصبيَّة، ووزن أقوال المتقدِّمين بميزان الكتاب والسُّنَّة، فما وافقهما من أقوال السَّلف قبلناه، وإلا فكتاب ربِّنا، وسُنَّة نبيِّنا، أولى بالاتِّباع(1).