وكان لكتاب أخينا الشيخ سيد سابق «فقه السُّنَّة» ـ وكان قد صدر الجزء الأول منه في فقه الطهارة والصلاة ـ تأثيرٌ طيِّب في تفكيري، وتوجيهي إلى الأدلَّة من القرآن والسُّنَّة، أستقي منهما بدل الرجوع إلى كتب الفقه المذهبي وحدها.
وقد تبيَّن لي بطول الدراسة والممارسة أنَّ الرجوع المباشر إلى الكتاب والسُّنَّة يقترن دائمًا بالتخفيف والتَّيسير، والبعد عن الحرج والتعسير، على خلاف الرجوع إلى الفقه المذهبي الَّذي حمل على طول العصور كثيرًا من التشدُّدات، نتيجة الاتجاه إلى الأخذ بالأحوط غالبًا. وإذا صار الدين مجموع «أحوطيَّات» فَقَدَ رُوح اليُسر، وحمل طابع الحرج والمشقَّة، مع أنَّ الله تعالى نفى الحرج عنه نفيًا باتًّا حين قال: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ .
ومن الأحداث الَّتي تستحق التسجيل، ما وقع لي وأنا طالب بالقسم الثانوي، حين خالفت نهج علماء قريتنا، وهم مجموعة من الأفاضل، إلَّا أنَّهم التزموا تدريس الفقه على مذهب الشافعي 3 ، حتَّى الحنفية منهم التزموا ذلك ولم يحيدوا عنه؛ بناء على أنَّ مذهب الشافعي هو مذهب عوامِّ البلد، هذا مع تقرير المحقِّقين أنَّ العاميَّ لا مذهب له، وأنَّ مذهبه هو مذهب من يفتيه ويُعلِّمه.
ومن المعلوم لدى الدارسين أنَّ مذهب الشافعي من أشدِّ المذاهب ـ أو لعلَّه أشدُّها ـ في مسائل النَّجاسة والطَّهارة وما إليها، حتَّى قال الإمام الغزالي في كتاب الطهارة من «الإحياء» معلِّقًا على مذهب إمامه الشافعي في مسألة المياه: «وكنتُ أودُّ أن يكون مذهبه في المياه كمذهب مالك». وسرد سبعةَ أوجُه يؤيِّد بها رأي مالك 3 (1).