حاول الغزالي أن يضع ضابطًا شرعيًّا مهمًّا للمصلحة، يحدِّد معناها، وقد أحسن في ذلك، فلم يكتفِ بمعناها اللغوي، بل ربطها بـ «المحافظة على مقصود الشرع»، وبيّن أن مقصود الشرع هو حفظ الكليّات الخمس، فكلُّ ما يتضمَّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة. وحفظ هذه الخمسة واقع في رتبة الضروريات، فهي أقوى المراتب في المصالح.
وهنا نجد أن كلامه يُفهم أن المصلحة مقصورة على حفظ هذه الضروريات الخمس، فأين هذا من موقع الحاجيات والتحسينات حسب تقسيمه نفسه، وكلُّها داخل في المصالح المراعاة شرعًا في حياة الناس؟ فهو يريد بهم اليسر، والتخفيف، ودفع الحرج، والهداية إلى أقوم المناهج في الآداب والأخلاق، والنظم والمعاملات، ممَّا يدخل في المصالح الحاجيَّة والتحسينيَّة. هذه هي الملاحظة الأولى.
أمَّا الملاحظة الثانية، فهي حصر الضروريات في هذه الخمس، وأرى أن هناك ضروريات أخرى راعتها الشريعة وقصدت إليها، مثل حفظ العِرض، وتحقيق الأمن، والعدل، والتكافل، ورعاية الحقوق والحريات العامة، وإقامة أمة وسط.
ولو كان لي أن أضيف إلى تعريف الغزالي للمصلحة، لقلتُ مستخدما أصل عبارته:
نعني بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع. ومقصود الشرع من الخلق: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم، وعقلهم ونسلهم، ومالهم وعرضهم، وأمنهم وحقوقهم وحرياتهم، وإقامة العدل والتكافل في أمة نموذجية، وكل ما ييسِّر عليهم حياتهم، ويرفع الحرج عنهم، ويتمِّم لهم مكارم الأخلاق، ويهديهم إلى الَّتي هي أقوم في الآداب والأعراف والنظم والمعاملات.
وأحسب أن إمامنا الغزالي لا يمانع في هذه الإضافة، فهي تتّفق مع هدفه في ربط المصلحة بمقاصد الشرع، وما ذكرناه يدخل في ذلك بلا ريب.