فهناك مَن يقصر «الثقافة» على «الجانب المعرفي» في الحياة، أي ما يتعلَّق بالعلم والفكر والأدب والفن. ولعل هذا ما يفهم من تعريف «المعجم الوسيط» الذي ذكرناه.
وهناك مَن يوسِّع مفهوم الثقافة بحيث لا تقتصر على الجانب المعرفي والفكري، بل تشمل الجانب الوجداني الذي يعنى به الفن، والجانب الروحي الذي يعنى به الدين، والجانب العملي أو السلوكي الذي تعنى به الأديان والأخلاق، بل تشمل الجانب المادي أيضًا من الحياة.
فالثقافة: أفكار ومعارف وإدراكات، ممزوجة بقيم وعقائديات، ووجدانيات، تعبِّر عنها أخلاق وعبادات، وآداب وسلوكيات، كما تعبِّر عنها علوم وآداب وفنون متنوعات، وماديات ومعنويات.
قال صاحبي: هل تعتبر بذلك «الأكل» مثلًا ثقافة؟ قلت: إذا كان المقصود بالأكل البلع والمضغ والهضم، فليس من الثقافة في شيء، فهذا أمر يشترك فيه الإنسان والحيوان، بل الحيوان متفوق فيه على الإنسان. فالحيوان قطعًا أوسع بطنًا، وأكثر أكلًا من الإنسان.
ولكن إذا قيل للإنسان: «سَمِّ الله، وكُل بيمينك، وكل مما يليك»(1) وكُل من الحلال الطيب، ولا تأكل خبيثًا مما حرَّم الله عليك، وكُلْ في إناء مباح لا في ذهب ولا فضة، وكُلْ عندما تجوع، وإذا أكلتَ فلا تسرف. فما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه. وإذا فرغت من طعامك فقل: الحمد لله. إلى آخر هذه الآداب، فهنا يصبح الأكل ثقافة، وليس مجرد عملية حيوانية.