ولا شك في أن المقصود بثقافتنا في هذا المجال هي الثقافة العربية الإسلامية، وهي الثقافة المعبرة عن هوية الأمة وفلسفتها ونظرتها الكلية إلى الوجود، وإلى المعرفة، وإلى القيم، وبعبارة أخرى: إلى الله والإنسان، والكون والحياة. أو إلى المبدأ والمصير، والغاية والرسالة.
والأمم بلا ريب تختلف في ثقافاتها اختلافًا كبيرًا، فمنها ما تتجه ثقافتها إلى الروح، ومنها ما تتجه إلى العقل، ومنها ما يتجه إلى الحس أو المادة، ومنها ما يجمع بينها جميعًا. من الثقافات ما يتصل بالأرض، ومنها ما يتصل بالسماء، ومنها ما يتصل بالسماء والأرض معًا.
منها ما يعترف بالله ربًّا خالقًا، ولا يعترف به إلهًا معبودًا، ومنها ما يعترف به معبودًا ولا يعترف به حاكمًا أعلى، من حقه أن يأمر وينهى ويشرع لعباده، ويحل لهم ويحرم عليهم. ومنها ما يجمع لله بين هذه الأمور كلها، فهو لا يبغي غير الله ربًّا، ولا يتخذ غير الله إلهًا، ولا يبتغي غير الله حكمًا.
ومنها ما لا يعترف لله بشيء من ذلك، إنما يؤله نفسه، أو يؤله أحدًا من جنسه أو من غير جنسه، ويزعم أن الله لم يخلق الإنسان، وإنما الإنسان هو الذي خلق الله، أي اخترع فكرة الألوهية ليخدع بها نفسه، أو يخدع بها الآخرين ويلهيهم عن المطالبة بحقوقهم المنهوبة بما يوعدون به في الآخرة المزعومة، وبهذا تخدر الشعوب والجماهير بأفيون الدين.
ثقافتنا بين الثقافات