وهو عبادة ماليَّة أيضًا؛ لأنَّ الحج مكلِّف؛ فلا بدَّ أن يجد الَّذي يريد الحج الزاد والراحلة، أي أن يكون لدى الشخص قدرة على أن يشتري راحلةً ليسافر عليها، أو يستأجر راحلةً توصله إلى مكَّة المكرمة، وإذا كان سيسافر بالبحر فلا بدَّ أن تكون معه أجرة الباخرة الَّتي توصله، ونفقات السفر، فضلًا عن أن يترك لأولاده وزوجته ومن يعول من النفقة ما يكفيهم إلى العودة، فهذه كلها نفقات ماليَّة. فالحجُّ تدريبٌ للمسلم على الاخشيشان، وعلى مخالفة عاداته، يخالف عاداته في نومه وأكله وملبسه، ويتدرب على أن يغيِّر ظروف حياته ومعيشته.
وكذا هو تدريب على بذل المال في سبيل الله، فالحج تدريب للأمة على الجهاد، لذا قرن النبي ﷺ بين الحج والجهاد، فعن عائشة أمِّ المؤمنين # ، أنَّها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لكُنَّ أفضلُ الجهاد: حجٌّ مبرور»(1).
الحج مطهرة للإنسان:
الحجُّ مَطْهَرة للإنسان، يتطهَّر فيها من ذنوبه وغفلاته، والإسلام جعل للمسلم عدَّة مصافٍ للذنوب، فالصلاة مصفاةٌ يوميَّة يتطهَّر فيها الإنسان من أدران خطاياه، قال رسول الله ﷺ : «أرأيتم لو أنَّ نهَرًا بباب أحدكم يغتسل منه كلَّ يومٍ خمس مرات، هل يبقى من دَرَنِه شيء؟!» قالوا: لا يبقى من دَرَنِه شيء. قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهنَّ الخطايا»(2).
ثم يأتي يوم الجمعة في الأسبوع أيضًا فيكفِّر الله به من خطايا الأسبوع، ثمَّ رمضان، تطهير سنوي، دورة تربويَّة يأخذها الإنسان، يتدرب فيها على الطاعة لله، وعلى الصبر على الشهوات، والصبر على ترك المألوفات كلها لله، كل هذا لله 8 ، وفي الحديث الصحيح: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتُ ما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر»(3). فالصلوات ميزان اليوم، والجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان السنة، ثمَّ يأتي الحج فهو ميزان العمر.