المسلم مطالب بأن يؤدي الحج مرَّة واحدة في عمره؛ لأنَّ الحج فريضة مكلفة من الناحية الماليَّة، ومجهدة من الناحية البدنيَّة، نحن نعلم أنَّ الإسلام نوَّع في عباداته، فهناك عبادة بدنيَّة، أي يؤديها الإنسان ببدنه، ويؤديها بمشقة وجهد، وهذا شأن كل تكليف، لا بدَّ أن تكون فيه مشقة، فالتكليف إلزام ما فيه كُلْفة، العبادة بدنيَّة مثل الصلاة والصيام، كلتاهما عبادة بدنيَّة، غير أنَّ الصلاة عبادة فعلية، والصوم عبادة تركية، وهناك عبادة ماليَّة، مثل الزكاة والصدقة، وهناك عبادة تجمع بين البدنيَّة والماليَّة، تجمع بين المشقَّة الَّتي يبذلها الإنسان ببدنه، وبين بذل المال، وذلك مثل الحج والجهاد في سبيل الله، كلتاهما عبادة بدنيَّة ماليَّة، لذا فقد قرن بينهما رسول الله ﷺ فقال: «نِعْم الجهادُ الحجُّ»(1).
الحجُّ عبادة بدنيَّة ماليَّة، عبادة بدنيَّة؛ لما فيه من مشقَّة كبيرة؛ فالحاجُّ يسافر من بلده، ويذهب إلى الكعبة، ويطوف بها سبعة أشواط، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ويرمي الجمار، ويزاحم، وينام على الأرض في عرفات وفي مِنى.
خصوصًا في الزمن الماضي، نحن في هذا الزمن قد يسَّر الله لنا الأسباب، وهيَّأ لنا الأمور، كان النَّاس في الزمن الماضي يركبون البعير، وأحيانًا يذهبون للحجِّ مشيًا على الأقدام من بلد إلى بلد.
ذكر الإمام النَّسَفي في تفسيره قال: قال محمد بن ياسين: قال لي شيخ في الطواف: من أين أنت؟ فقلت: من خُرَاسان. قال: كم بينكم وبين البيت؟ قلت: مسيرةَ شهرين أو ثلاثة. قال: فأنتم جيران البيت؟ فقلت: أنت من أين جئت؟ قال: من مسيرة خمس سنوات، وخرجت وأنا شابٌّ فاكتهلتُ. قلت: والله هذه الطاعة الجميلة، والمحبَّة الصادقة، فقال: