وكل أحد بعد ذلك يُؤخذ كلامه ويترك، فالقرآن الكريم وصحيح السُّنَّة النبويَّة هما وحدهما المصدران المعصومان، إنَّما يأتي الخلل من سوء الفهم لهما أو لأحدهما.
الثانية: أنَّ من المعروف لدى النقَّاد والمحقِّقين أن نسبة بعض ما في «نهج البلاغة» إلى علي 3 غير صحيحة، ولهم على ذلك دلائل وبراهين. ولا شك أنَّ في «النهج» خطبًا وأقوالًا يلمس الناقد بل القارئ الواعي، أنَّها لا تمثِّل عصر الإمام في أفكارها، ولا في أسلوبها.
ومن هنا لا يجوز الاحتجاج بكل ما في «النهج» على اعتبار أنَّه من أقواله 3 .
على أنَّ المقرَّر في العلوم الإسلاميَّة أن نسبة الأقوال إلى قائليها، لا تتحقَّق إلَّا بالإسناد الصحيح المتصل، الخالي من الشذوذ والعلة، فليت شعري، أين السند المتَّصل إلى الإمام عليٍّ، حتَّى نحكم على أساسه أنَّه قال هذا القول؟
بل لو نقل هذا القول عن عليٍّ بسند صحيح متصل، من رواة عدول ضابطين لوجب أن يُرد، لما فيه من مخالفة للأصول والنصوص الإسلاميَّة، وهذه علة قادحة توجب ردَّ أي قول، ولو كان إسناده كالشمس.
وكيف يقول علي بن أبي طالب هذا القول، وهو يقرأ كتاب الله الَّذِي يقرِّر مساواة المرأة للرجل في أصل الخلق، وفي التكاليف، وفي الجزاء: ﴿ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً ﴾ ، ﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرَٰتِ وَٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَـٰتِ وَٱلصَّـٰٓئِمِينَ وَٱلصَّـٰٓئِمَـٰتِ وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَـٰفِظَـٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ ، ﴿ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَـٰمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍ ﴾ . ويقول في شأن الزوجات: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ ، ويقول: ﴿ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ، ويقول الرسول ﷺ : «إنَّما النساءُ شقائقُ الرجال»(1). ويقول: «الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِها المرأةُ الصالحة»(2). ويقول: «من سعادةِ ابنِ آدمَ ثلاثة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الصالح، والمَرْكَبُ الصالح»(3).