أنَّ ما اختلف فيه العلماء فهو رحمة بالأمة وسعة لها، ومن حق أهل العلم أن يختاروا من هذه الآراء المختلفة ما هو أقوم قيلًا، وأهدى سبيلًا، وهذا أمر تختلف فيه العقول والمدارك، من حيث النظر إلى الظواهر أو إلى المقاصد، ومن حيث الميل إلى التيسير أو التشديد، ومن حيث قوَّة الاستنباط أو ضعفه.
الحقيقة الرابعة:
أنَّ اختيارنا وترجيحنا لهذه الآراء الميسرة في فقه الحج ـ لاعتبارات ترجَّحت لنا في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها ـ لا يعني بحال تجريح الآراء المخالفة، أو الطعن في أصحابها، معاذ الله، وبعضهم أئمَّة كبار، لهم مقامهم في العلم والدين، وبعضها آراء الجمهور، ولكنَّ الله تعالى لم يضمن لنا العصمة إلَّا للرسول ﷺ ولإجماع الأمة كلها بيقين لا شك فيه.
الحقيقة الخامسة:
أنَّ هذا الدين قام على اليسر ورفع الحرج عن المكلَّفين، كما دلت على ذلك النصوص المتواترة من القرآن والسُّنَّة، وأنَّ الرسول ﷺ أمرنا بالتيسير لا التعسير، فقال: «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا»(1)، وقال: «إنَّما بُعثتم مُيَسِّرين، ولم تبعثوا مُعسِّرين»(2). وكان من أوصافه ﷺ أنَّه ما خُيِّر بين أمرين إلَّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا(3).
الحقيقة السادسة:
أنَّ عصرنا هذا خاصَّة أحوج ما يكون إلى فقه التيسير؛ لغلبة النزعة الماديَّة على العقول، وغلبة الشهوات على الأنفس، وازدحام الحياة المعاصرة بأمور كثيرة شغلت النَّاس عن دينهم، وعن حقِّ ربهم عليهم، فكان علينا ـ أهل العلم والدعوة ـ أن نمسك النَّاس على الدين، ولو بخيط دقيق، حتَّى لا يتفلَّتوا منه سراعًا، وأن نحبِّب الله جل وعلا إليهم بتخفيف تكاليفه عليهم، ما وجدنا إلى ذلك سبيلًا.