وإذا وصف القرآن بأنَّه «نور» وأنَّه «النُّور»، فقد وصفت التوراة بلفظ آخر: ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَىٰةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلْأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُوا مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَآءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا ﴾ ، وكذلك وصف الإنجيل، فقد قال تعالى عن عيسى: ﴿ وَءَاتَيْنَـٰهُ ٱلْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ .
وهذا التمييز بين التعبيرين يدلُّ على الفرق بين القرآن وغيره من الكتب، وهو ما عبر عنه البُوصيري 5 في لاميَّته فقال:
اللهُ أكبرُ، إنَّ دينَ مُحَمَّدٍ
وكتابُه أقوى وأقومُ قِيلَا
لا تُذكروا الكتبَ السوالفَ عندَه
طَلَعَ الصَّبَاحُ، فَأَطْفِئُوا الْقِنْدِيلَا(1)
وذلك أنَّ هذا القرآن جاء مصدِّقًا لما بين يديه من الكتب، أي في أصولها العقدية والأخلاقيَّة قبل أن تحرف، ومهيمنًا عليها، أي مُصَحِّحًا لها فيما أدخل عليها من أوهام البشر وانحرافاتهم. وفي هذا قال تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ .
ولهذا القرآن ـ كما أنزله الله ـ خصائص تُمَيِّزه عن غيره، فهو كتابٌ إلٰهيٌّ، وهو كتاب مُعْجِز، وكتاب مُبِين مُيَسَّر، وكتاب محفوظ، وهو كتاب الدِّين كلِّه، وكتاب الزمن كلِّه، وكتاب الإنسانيَّة كلها.
كما أنَّ لهذا القرآن مقاصد وأهدافًا يسعى إليها، ويحرص عليها، من: تصحيح العقائد والتصورات، عن الألوهيَّة والنبوة والجزاء، وتصحيح التصور عن الإنسان وكرامته ورعاية حقوقه، وخصوصًا الضعفاء من بني الإنسان.