فإذن هذه أقسام الصبر باختلاف متعلَّقاتها، ومن يأخذ المعاني من الأسامي يظنُّ أنَّ هذه الأحوال مختلفة في ذواتها وحقائقها، من حيث رأى الأسامي مختلفة، والذي يسلك الطريق المستقيم، وينظر بنور الله تعالى يلحظ المعاني أولًا، فيطَّلع على حقائقها، ثم يلاحظ الأسامي، فإنَّها وضعت دالَّة على المعاني. فالمعاني هي الأصول والألفاظ هي التوابع. ومن يطلب الأصول من التوابع لا بدَّ أنْ يزل(1).
وهذا كلام نفيس، وتحقيق جليل.
ومن هنا نفهم كيف جعل القرآن الصبر وحده مناط الفلاح في الآخرة، ودخول الجنة، واستحقاق التحية من الملائكة، وذلك في مثل قوله تعالى في شأن الأبرار من عباده: ﴿ وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ .
وفي شأن عباد الرحمٰن: ﴿ أُوْلَـٰٓئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰمًا ﴾ .
وفي شأن أولي الألباب من عباد الله الأخيار: ﴿ جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ ۖ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ 23 سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى ٱلدَّارِ 24 ﴾ .
فالصبر هنا يحمل في طيَّاته جملة شعب الإيمان، وأخلاق الإسلام.
الصبر خصيصة الإنسانية:
ولما كان الإنسان هو المخلوق العاقل المكلَّف المُبتلى، كان الصبر خصيصة من خصائصه المميزة.