ولكنِّي أحبُّ قبل أن أبدأ في التفسير مباشرة أن أقدِّم ـ على طريقة علمائنا من أهل التفسير ـ بعض المقدِّمات الَّتي يحسن أن تكون في مقدِّمة أيِّ تفسير.
تكفُّل الله بحفظ القرآن:
نحن المسلمين أكرمنا الله تبارك وتعالى بما لم يكرم به أمة قبلنا، وليس هناك أمة بعدنا. أكرمنا الله 4 بهذا القرآن، ونحن المسلمين وحدنا الَّذين نملك هذه الوثيقة السماويَّة الإلٰهيَّة الَّتي تتضمَّن كلمات الله تبارك وتعالى الأخيرة للبشريَّة، كلمات الله الَّتي لم تَشُبها شائبة، ولم يدخل عليها باطل من باطل الإنسان، ومن أهواء الإنسان وأوهامه وقصوره وأخطائه.
وصدق الله العظيم حينما قال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ ﴾ . فنحن عندنا هذا القرآن المحفوظ في الصدور، المدوَّن في المصاحف، المتلو بالألسنة، المتعبَّد بتلاوته، نقرؤه كما أنزل على محمد ﷺ ، لم ينقص منه سطر ولا كلمة ولا حرف، نقرؤه بغنّه ومدّه(1)، وحركاته وسكناته، كما كان يقرأه النبي ﷺ والصحابة من بعده، وكما تلقَّته أجيال الأمَّة عنهم جيلًا بعد جيل، حتَّى كتابته بالرسم العثماني(2) بقيت كما هي، مع زيادة في النقط والشكل.
فالقرآن هو كتاب الله الَّذي ﴿ لَّا يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِۦ ﴾ ، تميَّز بأنه كتاب الخلود، كتاب الزمن كله، ليس كتاب عصر من العصور، ولا كتاب جيل دون جيل، ولهذا لم يستحفظه الله المسلمين، كما استحفظ التوراةَ أهلَها، إنَّما هو سبحانه الَّذي حفظه؛ إذ ليس هناك كتاب بعد القرآن، فلو حُرِّف القرآن لن يأتي بعده كتاب آخر يُهَيْمِن عليه ويُصحِّح له، وليس هناك نبي بعد محمد ﷺ ، وليس هناك رسالة بعد الإسلام، وليس هناك أُمَّة بعد هذه الأمَّة.