وقد وصفه منزله سبحانه بالشمول والتكامل لكل الجوانب الَّتي تحتاج إليها البشريَّة، الَّتي تتطلع إلى القِيَم الرفيعة، والمُثُل العُلْيا، في بلوغ الحق والخير والجمال. أمَّا سنة النبي الكريم، فهي شرحه النظري، وتطبيقه العملي، والمساعد على حسن فهمه كما قال تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ .
ولا عجب أن وجدنا علماء الأمة وأئمتها وقادة فكرها، في كل عصر من الأعصار، وفي كل قطر من الأقطار، يتوافدون على هذا المرجع الإلٰهي الأكبر، يغترفون منه ما استطاعوا، ويقتبسون من أنواره ما قدروا عليه، يحاولون تفسيره وتأويله، ويبتغون فهمه وتحقيقه؛ ليهديهم سواء السبيل، وليأخذ بهم إلى أقوم قيل. إلى جوار ما كان لهم في خدمة السُّنَّة النبويَّة وتوثيقها وربط النَّاس بها، تتميمًا لحسن فهم الكتاب.
وقد حاولت أن أحشر نفسي مع هؤلاء الكبار، الَّذين خدموا المصدرين، والذين نفعوا الأمة بتراثهم الكريم، وبتفسيراتهم القيمة، وببحوثهم الناضجة، فنحن بهداهم نهتدي، وبآثارهم نقتدي، ونجتهد أن يكون لنا أثر يذكر فيما وفَّقهم الله إليه في فهم كتاب الله، وشرحه لجمهور المسلمين، وتيسيره وتفسيره لهم، حسب ما نقدر عليه، وما يهدينا الله إليه ﴿ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ .
ولذا قدَّمنا تفسيرنا لسورة الرعد ونشرناه، ثمَّ بعدها سورة إبراهيم، ثمَّ سورة الحِجْر، هذه الَّتي كتبنا لها هذه المقدمة.
وأود أن أذكر هنا حقيقة مهمة، هي أنَّ هذا التفسير الَّذي قدمته في هذه السورة الكريمة، ينفرد بأنَّه (تفسير شفوي) لم أقدِّمه مكتوبًا ككل التفاسير. ولكنَّه (تفسير مسجدي) هو من دروس المساجد. وقد قدمت هذه السورة في قطر، في مسجد عمر بن الخطاب أولًا، ثمَّ في مسجد الشيوخ بالدوحة.