لا يزعجني أنْ يكون في الصحوة مدارس أو فصائل أو جماعات لكلٍّ منها منهجه في خدمة الإسلام، والعمل على التمكين له في الأرض، وفقًا لتحديد الأهداف وترتيبها، وتحديد الوسائل ومراحلها، والثقة بالقائمين على تنفيذها من حيث القوَّة والأمانة، أو الكفاية والإخلاص.
ولست من السذاجة بحيث أدعو إلى جماعة أو حركة واحدة، تضمُّ جميع العاملين للإسلام في نظامٍ واحد، وتحت قيادةٍ واحدة، فهذا تقفُ دونَه حوائلُ شتَّى، وهو طمعٌ في غير مَطْمَع.
وقد ذكرت في أكثر من بحثٍ لي أنَّه لا مانع أنْ تتعدَّد الفصائل والجماعات العاملة لنصرة الإسلام، إذا كان تعدُّد تنوُّعٍ وتخصُّص، لا تعدُّد تعارُضٍ وتناقُض. على أنْ يتمَّ بين الجميع قَدرٌ من التعاون والتنسيق، حتَّى يُكمل بعضُهم بعضًا، ويشدَّ بعضهم أَزْرَ بعض، وأنْ يقفوا في القضايا المصيريَّة والهموم المشتركة صفًّا واحدًا كأنَّهم بنيان مرصوص.
ولكن الَّذي يدمي القلب حقًّا أنْ يوجد بين الدعاة والعاملين من لا يُقَدِّر هذا الأمر حقَّ قدره، وأنْ يبذر بذور الفُرْقة أينما حلَّ، وأن يبحث عن كلِّ ما يُوقد نيران الخلاف، ويُورث العداوة والبغضاء، وتركيزه دائمًا على مواضع الاختلاف، لا نقاط الاتفاق، وهو دائمًا معجبٌ برأيه، مُزَكٍّ لنفسه وجماعته، متَّهم لغيره.
والحقُّ أنَّ الاختلاف في ذاته ليس خطرًا، وخصوصًا في مسائل الفروع، وبعض الأصول غير الأساسيَّة، إنَّما الخطر في التفرُّق والتعادي الَّذي حذَّر الله ورسوله منه.
لهذا كانت الصحوة الإسلاميَّة والحركة الإسلاميَّة بمختلف اتِّجاهاتها ومدارسها في حاجةٍ إلى وعيٍ عميقٍ بما نُسَمِّيه «فقه الاختلاف».